فصل: الشيخ العلامة المتفنن البحاث المتقن أبو العباس المغربي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 الشيخ العلامة المتفنن البحاث المتقن أبو العباس المغربي

أصله من الصحراء من عمالة الجزائر دخل مصر صغيرًا فحضر دروس الشيخ علي الصعيدي فتفقه عليه ولازمه ومهر في الآلات والفنون وأذن له في التدريس فصار يقرئ الطلبة في رواقهم وراج أمره لفصاحته وجودة حفظه وتميز في الفضائل وحج سنة 1182 وجاور بالحرمين سنة واجتمع بالشيخ أبي الحسن السندي ولازمه في دروسه وباحثه وعاد الى مصر وكان يحسن الثناء على المشار إليه واشتهر أمره وصارت له في الرواق كلمة واحترمه علماء مذهبه لفضله وسلاطة لسانه وبعد موت شيخه عظم أمره حتى أشير له بالمشيخة في الرواق وتعصب له جماعة فلم يتم له الأمر ونزل له السيد عمر أفندي الأسيوطي عن نظر الجوهرية فقطع معاليم المستحقين وكان محجاجًا عظيم المراس يتقي شره توفي ليلة الأربعاء حادي عشرين شعبان غفر الله لنا وله‏.‏

ومات الإمام الفقيه العلامة النحوي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ موسى البشبيشي الشافعي الأزهري نشأ بالجامع الأزهر من صغره وحفظ القرآن والمتون وحضر دروس الأشياخ كالصعيدي والدردير والمصيلحي والصبان والشتويهي ومهر وأنجب وصار من الفضلاء المعدودين ودرس في الفقه والمعقول واستفاد وأفاد ولازم حضور شيخنا العروسي في غالب الكتب فيحضر ويملي ويستفيد ويفيد وكان مهذبًا في نفسه متواضعًا مقتصدًا في ملبسه ومأكله عفوفًا قانعًا خفيف الروح لا يمل من مجالسته ومفاكهته ولم يزل منقطعًا للعلم والإفادة ليلًا ونهارًا ومات العلامة الأديب واللوذعي اللبيب المتقن المتفنن الشيخ محمد بن علي بن عبد الله بن أحمد المعروف بالشافعي المغربي التونسي نزيل مصر ولد بتونس سنة 1152 ونشأ في قراءة القرآن وطلب العلم وقدم الى مصر سنة إحدى وسبعين وجاور بالأزهر برواق المغاربة وحضر علماء العصر في الفقه والمعقولات ولازم دروس الشيخ علي الصعيدي وأبي الحسن القلعي التونسي شيخ الرواق وعاشر اللطفاء والنجباء من أهل مصر وتخلق بأخلاقهم وطالع كتب التاريخ والأدب وصار له ملكة في استحضار المناسبات الغريبة والنكات وتزوج وتزيا بزي أولاد البلد وتحلى بذوقهم ونظم الشعر الحسن توفي رحمه الله يوم الجمعة ثالث شعبان من السنة‏.‏

ومات صاحبنا الشاب الصالح العفيف الموفق الشيخ مصطفى بن جاد ولد بمصر ونشأ بالصحراء بعمارة السلطان قايتباي ورغب في صناعة تجليد الكتب وتذهيبها فعانى ذلك ومارسه عند الأسطى أحمد الدقدوسي حتى مهر فيها وفاق أستاذه وأدرك دقائق الصنعة والتذهيبات والنقوشات بالذهب المحلول والفضة والأصباغ الملونة والرسم والجداول والأطباع وغير ذلك وانفرد بدقيق الصنعة بعد موت الصناع الكبار مثل الدقدوسي وعثمان أفندي بن عبد الله عتيق المرحوم الوالد والشيخ محمد الشناوي وكان لطيف الذات خفيف الروح محبوب الطباع مألوف الأوضاع ودودًا مشفقًا عفوفًا صالحًا ملازمًا على الأذكار والأوراد مواظبًا على استعمال اسم لطيف العدة الكبرى في كل ليلة على الدوام صيفًا وشتاء سفرًا وحضرًا حتى لاحت عليه أنوار الاسم الشريف وظهرت فيه أسرار روحانيته وصار له ذوق صحيح وكشف صريح ومراء واضحة وأخذ على شيخنا الشيخ محمود الكردي طريق السادة الخلوتية وتلقن عنه الذكر والاسم الأول وواظب على ورد العصر أيام حياة الأستاذ ولم يزل مقبلًا على شأنه قانعًا بصناعته ويستنسخ بعض الكتب ويبيعها ليربح فيها الى أن وافاه الحمام وتوفي سابع شهر ذي القعدة من السنة بعد أن تعلل أشهرًا رحمه الله وعوضنا فيه خيرًا فإنه كان بي رؤوفًا وعلي شفوقًا ولا يصبر عني يومًا كاملًا مع حسن العشرة والمودة لا لغرض من الأغراض ولم أرد بعده مثله وخلف بعده أولاده الثلاثة وهم الشيخ صالح وهو الكبير وأحمد بدوي والشيخ صالح المذكور هو الآن عمدة مباشري الأوقاف بمصر وجابي المحاسبة وله شهرة ووجاهة في الناس وحسن حال عشرة وسير حسن وفقه الله وأعانه على وقته‏.‏

ومات أيضًا الصنو الفريد واللوذعي الوحيد والكاتب المجيد والنادرة المفيد أخونا في الله خليل أفندي البغدادي ولد ببغداد دار السلام وتربى في حجر والده ونشأ بها في نعمة ورفاهية وكان والده من أعيان بغداد وعظمائها ذا مال وثروة عظيمة وبينه وبين حاكمها عثمان باشا معاشرة وخلطة ومعاملة فلما وصل الطاغية طهماز الى تلك الناحية وحصل منه ما حصل في بغداد وفر منه حاكمها المذكور قبض على والد المترجم واتهمه بأموال الباشا وذخائره ونهب داره واستصفى أمواله ونواله وأهلك تحت عقوبته وخرج أهله وعياله وأولاده فارين من بغداد على وجوههم وفيهم المترجم وكان إذ ذاك أصغر إخوته فتفرقوا في البلاد وحضر المترجم بعد مدة من الواقعة مع بعض التجار الى مصر واستوطنها وعاشر أهلها وأحبه الناس للطفه ومزاياه وجود الخط على الأنيس والضيائي والشكري ومهر فيه وكان يجيد لعب الشطرنج ولا يباريه فيه أحد مع الخفة والسرعة وقل من يتناقل معه فيه بالكامل بل كان يناقل غالب الحذاق بدون الفرزان أو أحد الرخين ولم أرد من ناقله بالكامل إلا الشيخ سلامة الكتبي وبذلك رغب في صحبته الأعيان والأكابر وأكرموه وواسوه مثل عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وسليمان جربجي البرديسي وكان غالب مبيته عنده ولم يزل ينتقل عند الأعيان باستدعاء ورغبة منهم فيه مع الخفة واطراح الكلفة وحسن العشرة ويأوي الى طبقته ولم يتأهل ويغسل ثيابه عند رفيقه السيد حسن العطار بالأشرفية وبآخرة عاشر الأمير مراد بك واختص به وأحبه فكان يجود له الخط ويناقله في الشطرنج وأغلق عليه ووالاه بالبر فراج حاله واشترى كتبًا وواسى إخوانه وكان كريم النفس جدًا يجود وما لديه قليل ولا يبقي على درهم ولا دينار ولما خرج مراد بك من مصر حزن لفقده وبعد وباع ما اقتناه من الكتب وغيرها وصرف ثمنها في بره ولوازمه وعبه دائمًا ملآن بالمآكل الجافة مثل التمر والكعك والفاكهة يأمل منها ويفرق في مروره على الأطفال والفقراء والكلاب وكان بشوشًا ضحوك السن دائمًا منشرحًا يسلي المحزون ويضحك المغبون ويحب الجمال ولا يؤخر المكتوبة عن وقتها أينما كان ويزور الصلحاء والعلماء ويحضر في بعض الأحيان دروسهم ويتلقى عنهم المسائل الفقهية ويحب سماع الألحان واجتماع الإخوان ويعرف اللسان التركي ودخل بيت البارودي كعادته فأصيب بالطاعون وتعلل ليلتين وتوفي حادي عشرين رجب سنة تاريخه رحمه الله وسامحه فلقد كانت أفاعيله وطباعه تدل على جودة أصله وطيب أعراقه وأصوله‏.‏

وما الجناب الأوحد والنجيب المفرد الفصيح اللبيب والنادرة الأريب السيد ابراهيم بن أحمد بن يوسف بن مصطفى بن محمد أمين الدين ابن علي سعد الدين بن محمد أمين الدين الحسني الشافعي المعروف بقلفة الشهر تفقه على شيخ والده السيد عبد الرحمن الشيخوني إذ كان إمام والده وتدرج في معرفة الأقلام والكتابة فلما توفي والده تولى مكانه أخوه الأكبر يوسف في كتابة قلم الشهر فلما شاخ وكبر سلمه الى أخيه المترجم فسار فيه أحسن سير واقتنى كتبًا نفيسة وتمهر في غرائب الفنون وأخذ طريق الشاذلية والأحزاب والأذكار على الشيخ محمد شكك وكان يبره ويلاحظه بمراعاته وانتسب إليه وحضر الصحيح وغيره على شيخنا السيد مرتضى وسمع عليه كثيرًا من الأجزاء الحديثية في منزله بالركبيين وبالأزبكية في مواسم النيل وكان مهيبًا وجيهًا ذا شهامة ومروءة وكرم مفرط وتجمل فاخر عمله فوق همته سموحًا بالعطاء متوكلًا توفي صبح يوم الأربعاء غاية شهر شعبان بعد أن تعلل سبعة أيام وجهز وصلي عليه بمصلى شيخون ودفن على والده قرب السيدة نفيسة وخلف ولديه النجيبين المفردين حسن أفندي وقاسم أفندي أبقاهما الله وأحيا بهما المآثر وحفظ عليهما أولادهما وأصلح لنا ولهم الأيام‏.‏

ومات الإمام العلامة والجهبذ الفهامة الفقيه النبيه الأصولي المعقولي الورع الصالح الشيخ محمد الفيومي الشهير بالعقاد أحد أعيان العلماء النجباء الفضلاء تفقه على أشياخ العصر ولازم الشيخ الصعيدي المالكي ومهر وأنجب ودرس وانتفع به الطلبة في المعقول والمنقول وألف وأفاد وكان إنسانًا حسنًا جميل الأخلاق مهذب النفس متواضعًا مشهورًا بالعلم والفضل والصلاح لم يزل مقبلًا على شأنه محبوبًا للنفوس حتى تعلل بالبرقوقية بالصحراء وتوفي بها ودفن هناك بوصية منه رحمه الله‏.‏

ومات صاحبنا الجناب المكرم والملاذ المفخم أنيس الجليس والنادرة الرئيس حسن أفندي بن محمد أفندي المعروف بالزامك قلفة الغربية ومن له في أبناء جنسه أحسن منقبة ومزية تربى في حجر والده ومهر في صناعته ولما توفي والده خلفه من بعده وفاقه في هزله وجده وعاشر أرباب الفضائل واللطفاء وصار منزله منهلًا للواردين ومربعًا للوافدين فيتلقى من يرد إليه بالبشر والطلاقة ويبذل جهده في قضاء حاجة من له به أدنى علاقة فاشتهر ذكره وعظم أمره وورد إليه الخاص والعام حتى أمراء الألوف العظام فيواسي الجميع ويسكرهم بكأس لطفه المريع مع الحشمة والرياسة وحسن المسامرة والسياسة قطعنا معه أوقاتًا كانت في جبهة العمر غرة ولعين الدهر مسرة وقرة وفي هذا العام قصد الحج الى بيت الله الحرام وقضى بعض اللوازم والأشغال واشترى الخيش وأدوات الأحمال فوافاه الحمام وارتحل الى دار السلام بسلام وذلك في أواخر رجب بالطاعون رحمه الله‏.‏

ومات أيضًا الجناب العالي واللوذعي الغالي والرياستين والمزيتين والفضيلتين الأمير أحمد أفندي الروزنامجي المعروف بالصفائي تقلد وظيفة الروزنامة بديوان مصر عندما كف بصر اسمعيل أفندي فكان لها أهلًا وسار فيها سيرًا حسنًا بشهامة وصرامة ورياسة وكان يحفظ القرآن حفظًا جيدًا وحضر في الفقه والمعقول على أشياخ الوقت قبل ذلك وكان يحفظ متن الألفية لابن مالك ويعرف معانيها ويحفظ كثيرًا من المتون ويباحث ويناضل من غير ادعاء للمعرفة والعالمية فتراه أميرًا مع الأمراء ورئيسًا مع الرؤساء وعالمًا مع العلماء وكاتبًا مع الكتاب وولداه سليمان أفندي المتوفى سنة ثمان وتسعين وعثمان أفندي المتوفى بعده في الفصل سنة خمس ومائتين ووالدتهما المصونة خديجة من أقارب المرحوم الوالد وكانا ريحانتين نجيبين ذكيين مفردين أعقب سليمان محمد أفندي وتوفي في سنة ستة عشرة وهو مقتبل الشبيبة وحسن أفندي الموجود الآن وأعقب عثمان أحمد وهو موجود أيضًا إلا أنه بعيد الشبه من أبيه وعمه وأولاد عمه وجده وجدته وأما ابن عمه حسن أفندي فهو ناجب ذكي بارك الله فيه ولما تعلل المترجم وانقطع عن النزول والركوب وحضور الدواوين قلدوا عوضه أحمد أفندي المعروف بأبي كلبة على مال دفعه فأقام في المنصب دون الشهرين ومات أحمد أفندي فسعى عثمان أفندي العباسي على المنصب وتقلده على رشوة لها قدر وذهب على أحمد أفندي أبو كلبة ما دفعه في الهباء وكانت وفاة أحمد أفندي الصفائي المترجم في عشرين خلت من ربيع الثاني من السنة‏.‏

ومات العمدة المفرد والنجيب الأوحد محمد أفندي كاتب الرزق الأحباسية وهذه الوظيفة تلقاها بالوراثة عن أبيه وجده وعرفوا اصطلاحها وأتقنوا أمرها وكان محمد أفندي هذا لا يغرب عن ذهنه شيء يسأل عنه من أراضي الرزق بالبلاد القبلية والبحرية مع اتساع دفاترها وكثرتها ويعرف مظناتها ومن انحلت عنه ومن انتقلت إليه مع الضبط والتحرير والصيانة والرفق بالفقراء في عوائد الكتابة وكان على قدم الخير والصلاح مقتصدًا في معيشته قانعًا بوظيفته لا يتفاخر في ملبس ولا مركب ويركب دائمًا الحمار وخلفه خادمه يحمل له كيس الدفتر إذا طلع الى الديوان مع السكون والحشمة وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات العشر ولم يزل هذا حاله حتى تعلل أيامًا وتوفي الى رحمة الله تعالى ثامن ربيع الثاني وتقرر في الوظيفة عوضه ابن ابنه الشاب الصالح حمودة أفندي فسار كأسلافه سيرًا حسنًا وقام بأعباء الوظيفة حسًا ومعنى إلا أنه عاجله الحمام وانخسف بدره قبل التمام وتوفي بعد جده بنحو سنتين وشغرت الوظيفة وابتذلت كغيرها وهكذا عادة الدنيا‏.‏

ومات الجناب السامي والغيث الهاطل الهامي ذو المناقب السنية والأفعال المرضية والسجايا المنيفة والأخلاق الشريفة السيد السند حامي الأقطار الحجازية والبلاد التهامية والنجدية الشريف السيد سرور أمير مكة تولى الأحكام وعمره نحو إحدى عشرة سنة وكانت مدة ولايته قريبًا من أربع عشرة سنة وساس الأحكام أحسن سياسة وسار فيها بعدالة ورئاسة وأمن تلك الأقطار أمنًا لا مزيد عليه ومات وفي محبسه نيف وأربعمائة من العربان الرهائن وكان لا يغفل لحظة عن النظر والتدبير في مملكته ويباشر الأمور بنفسه ويتنكر ويعس ويتفقد جميع الأمور الكلية والجزئية ولا ينام الليل قط فيدور ثلثي الليل ويطوف حول الكعبة الثلث الأخير ولم يزل يتنقل ويطوف حتى يصلي الصبح ثم يتوجه الى داره فينام الى الضحوة ثم يجلس للنظر في الأحكام ولا تأخذه في الله لومة لائم ويقيم الحدود ولو على أقرب الناس إليه فعمرت تلك النواحي وأمنت السبل وخافته العربان وأولاد الحرام فكان المسافر يسير بمفرده ليلًا في خفارته وبالجملة فكانت أفعاله حميدة وأيامه سعيدة لم يأت قبله مثله فيما نعلم ولم يخلفه إلا مذمم ولما مات تولى بعده أخوه الشريف غالب وفقه الله وأصلح شأنه‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث ومائتين وألف فكان ابتداؤها المحرم يوم الخميس وفيه زاد اجتهاد اسمعيل بك في البناء عند طرا وأنشأ هناك قلعة بحافة البحر وجعل بها مساكن ومخازن وحواصل وأنشأ حيطانًا وأبراجًا وكرانك وأبنية ممتدة من القلعة الى الجبل وأخرج إليها الجبخانة والذخيرة وغير ذلك‏.‏

وفي تاسعه سافر عثمان كتخدا عزبان الى اسلامبول بعرضحال بطلب عسكر وأذن باقتطاع مصاريف من الخزينة‏.‏

وفي رابع عشرينه سافر اسمعيل باشا باش الأرنؤد بجماعته ولحقوا بالغلايين والجماعة القبليون متترسون بناحية الصول وعاملون سبعة متاريس والمراكب وصلت الى أول متراس فوجدوهم مالكين مزم الجبل فوقفوا عند أول متراس ومدافعهم تصيب المراكب ومدافع المراكب لا تصيبهم وهم متمنعون بأنفسهم الى فوق وانخرقت المراكب عدة مرار وطلع مرة من أهل المراكب جماعة أرادوا الكبس على المتراس الأول فخرج عليهم كمين من خلف مزرعة الذرة المزروع فقتل من طائفة المغاربة جماعة وهرب الباقون ونصبت رؤوس القتلى على مزاريق ليراها أهل المراكب‏.‏

وفي سادس عشرينه سافر أيضًا عثمان بك الحسني وامتنع ذهاب السفار وإيابهم الى الجهة القبلية وانقطع الوارد وشطح سعر الغلة وبلغ النيل غايته في الزيادة واستمر على الأراضي من غير نقص الى آخر شهر بابه القبطي وروى جميع الأراضي‏.‏

وفي سابع عشرينه حضر سراج من عند القبليين وعلى يده مكاتبات بطلب صلح وعلى أنهم يرجعون الى البلاد التي عينها لهم حسن باشا ويقومون بدفع المال والغلال للميري ويطلقون السبل للمسافرين والتجار فإنهم سئموا من طول المدة ولهم مدة شهور منتظرين اللقاء مع أخصامهم فلم يخرجوا إليهم فلا يكونون سببًا لقطع أرزاق الفقراء والمساكين فكتبوا لهم أجوبة للإجابة لمطلوبهم بشرط إرسال رهائن وهم عثمان بك الشرقاوي وابراهيم بك الوالي ومحمد بك الألفي ومصطفى بك الكبير ورجع الرسول بالجواب وصحبته واحد بشلي من طرف الباشا‏.‏

شهر صفر في غرته حضر جماعة مجاريح‏.‏

وفي ثانيه حضر المرسال الذي توجه بالرسالة وصحبته سليمان كاشف من جماعة القبليين والبشلي وآخر من طرف اسمعيل باشا الرنؤدي وأخبروا أن الجماعة لم يرضوا بإرسال رهائن ثم أرسلوا لهم على كاشف الجيزة وصحبته رضوان كتخدا باب التفكجية وتلطفوا معهم على أن يرسلوا عثمان بك الشرقاوي وأيوب بك فامتنعوا من ذلك وقالوا من جملة كلامهم‏:‏ لعلكم تظنون أن طلبنا في الصلح عجزًا وأننا محصورون وتقولون بينكم في مصر إنهم يريدون بطلب الصلح التحليل على التعدية الى البر الغربي حتى يملكوا الاتساع وإذا قصدنا ذلك أي شيء يمنعنا في أي وقت شئنا وحيث كان الأمر كذلك فنحن لا نرضى إلا من حد أسيوط ولا نرسل رهائن ولا نتجاوز محلنا فلما رجع الجواب بذلك في سابعه أرسل الباشا فرمانًا الى اسمعيل باشا بمحاربتهم فبرز إليهم بعساكره وجميع العسكر التي بالمركب وحملوا عليهم حملة واحدة وذلك يوم الجمعة ثامنه فأخلوا لهم وملكوا منهم متراسين فخرج عليهم كمين بعد أن أظهروا الهزيمة فقتل من العسكر جملة كبيرة ثم وقع الحرب بينهم يوم السبت ويوم الأحد واستمرت المدافع تضرب بينهم من الجهتين والحرب قائم بينهم سجالًا وكل من الفريقين يعمل الحيل وينب الشباك على الآخر ويكمن ليلًا فيجد الرصد ولم ينفصل بينهم الحرب على شيء‏.‏

وفي منتصفه شرع اسمعيل بك في عمل تفريدة على البلاد فقرروا على الأعلى عشرين ألف فضة والأوسط خمسة عشر والأدنى خمسة آلاف وذلك خلاف حق الطرق وما يتبعها من الكلف وعمل ديوان ذلك في بيت علي بك الدفتردار بحضرة الوجاقلية وكتبت دفاترها وأوراقها في مدة ثلاثة أيام‏.‏

واستهل شهر ربيع الأول والحال على ما هو عليه وحضر مرسوم من القبليين بطلب الصلح ويطلبون من حد أسيوط الى فوق شرقًا وغربًا ولا يرسلون رهائن ووصل ساع من ثغر إسكندرية بالبشارة لاسمعيل كتخدا حسن باشا بولاية مصر وأن اليرق والداقم وصل والبقجي والكتخدا وأرباب المناصيب وصلوا الى الثغر فردهم الريح عندما قربوا من المرساة الى جهة قبرص فشرع عابدي باشا في نقل متاعه من القلعة ولما حضر المرسول بطلب الصلح رضي المصرلية بذلك وأعادوه بالجواب‏.‏

وفي رابعه حضر أحمد آغا أغات الجملية المعروف بشويكار لتقرير ذلك فعمل عابدي باشا ديوانًا اجتمع فيه الأمراء والمشايخ والاختيارية وتكلم أحمد آغا وقال نأخذ من أسيوط الى قبلي شرقًا وغربًا بشرط أن ندفع ميري البلاد من المال والغلال ونطلق سراح المراكب والمسافرين بالغلال والأسباب وكذلك أنتم لا تمنعون عنا الواردين بالاحتياجات إلا ما كان من آلة الحرب فلكم منعه وبعد أن يتقرر بيننا وبينكم الصلح نكتب عرض محضر منا ومنكم الى الدولة وننظر ما يكون الجواب فإن حضر الجواب بالعفو لنا أو تعيين أماكن لنا لا نخالف ذلك ولا نتعدى الأوامر السلطانية بشرط أن ترسلوا لنا الفرمان الذي يأتي بعينه نطلع عليه فأجيبوا الى ذلك كله ورجع أحمد آغا بالجواب صبيحة ذلك اليوم صحبة عبد الله جاويش وشهر حوالة والشيخ بدوي من طرف المشايخ وحضر في أثر ذلك مراكب غلال وانحلت الأسعار وتواجدت الغلال بالرقع وكثرت بعد انقشاعهم ثم وصلت الأخبار بأن القبليين شرعوا في عمل جسر على البحر من مراكب مرصوصة ممتدة من البر الشرقي الى البر الغربي وثبتوه وسمروه بمسامير وباطات وثقلوه بمراس وأحجار مركوزة بقرار البحر وأظهروا أن ذلك لأجل التعدية ورجعت المراكب وصحبتها العسكر المحاربون واسمعيل باشا الأرنؤدي وعثمان بك الحسني والقليونجية وغيرهم وأشيع تقرير الصلح وصحته‏.‏

وفي عاشره أخبر بعض الناس قاضي العسكر أن بمدفن السلطان الغوري بداخل خزانة في القبة آثار النبي صلى الله عليه وسلم وهي قطعة من قميصه وقطعة عصا وميل فأحضر مباشر الوقف وطلب منه إحضار تلك الآثار وعمل لها صندوقًا ووضعها في داخل بقجة وضمخها بالطيب ووضعها على كرسي ورفعها على رأس بعض الأتباع وركب القاضي والنائب وصحبته بعض المتعممين مشاة بين يديه يجهرون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا بها الى المدفن ووضعوها في داخل الصندوق ورفعوها في مكانها بالخزانة‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع عشره حضر شهر حوالة وعبد الله جاويش وأخبروا بأنهم لما وصلوا الى الجماعة تركوهم ستة أيام حتى تمموا شغل الجسر وعدوا عليه البر الغربي ثم طلبوهم فعدوا إليهم وتكلموا معهم وقالوا لهم إن عابدي باشا قرر معنا الصلح على هذه الصورة وتكفل لنا بكامل الأمور ولكن بلغنا في هذه الأيام أنه معزول من الولاية وكيف يكون معزولًا ونعقد معه صلحًا هذا لا يكون إلا إذا حضر إليه مقرر أو تولى غيره يكون الكلام معه وكتبوا له جوابات بذلك ورجع به الجماعة المرسلون وأشيع عدم التمام فاضطربت الأمور وارتفعت الغلال ثانيًا وغلا سعرها وشح الخبز من الأسواق‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسع عشره عمل الباشا ديوانًا جمع فيه الأمراء والمشايخ والاختيارية والقاضي فتكلم الباشا وقال‏:‏ انظروا يا ناس هؤلاء الجماعة ما عرفنا لهم حالًا ولا دينًا ولا قاعدة ولا عهدًا ولا عقدًا إنا رأينا النصارى إذا تعاقدوا على شيء لا ينقضوه ولا يختلوا عنه بدقيقة وهؤلاء الجماعة كل يوم لهم صلح ونقض وتلاعب وإننا أجبناهم الى ما طلبوا وأعطيناهم هذه المملكة العظيمة وهي من ابتداء أسيوط الى منتهى النيل شرقًا وغربًا ثم أنهم نكثوا ذلك وأرسلوا يحتجون بحجة باردة وإذا كنت أنا معزولًا فإن الذي يتولى بعدي لا ينقض فعلي ولا يبطله ويقولون في جوابهم نحن عصاة وقطاع طريق وحيث أقروا على أنفسهم بذلك وجب قتلاهم أم لا فقال القاضي والمشايخ‏:‏ يجب قتالهم بمجرد عصيانهم وخروجهم عن طاعة السلطان فقال‏:‏ إذا كان الأمر كذلك فإني أكتب لهم مكاتبة وأقول لهم إما أن ترجعوا وتستقروا على ما وقع عليه الصلح وإما أن أجهر لكم عساكر وأنفق عليهم من أموالكم ولا أحد يعارضني فيما أفعله وإلا تركت لكم بلدتكم وسافرت منها ولو من غير أمر الدولة فقالوا جميعًا‏:‏ نحن لا نخالف الأمر فقال أضع القبض على نسائهم وأولادهم ودورهم وأسكن نساءهم وحريمهم في الوكائل وأبيع تعلقاتهم وبلادهم وما تملكه نساؤهم وأجمع ذلك جميعه وأنفقه على العسكر وإن لم يكف ذلك تممته من مالي فقالوا سمعنا وأطعنا وكتبوا مكاتبة خطابًا لهم بذلك وختم عليها الباشا والأمراء وأرسلوها‏.‏

وفي يوم الأحد ثالث عشرينه نزل الآغا ونادى في الأسواق بأن كل من كان عنده وديعة للأمراء القبليين يردها لأربابها فإن ظهر بعد ثلاثة أيام عند أحد شيء استحق العقوبة وكل ذلك تدبير اسمعيل بك‏.‏

وفي يوم الثلاثاء حضر هجان وباش سراجين ابراهيم بك وأخبر أن الجماعة عزموا على الارتحال والرجوع وفك الجسر فعمل الباشا ديوانًا في صبحها وذكروا المراسلة وضمن الباشا غائلتهم وضمن المشايخ غائلة اسمعيل بك وكتبوا محضرًا بذلك وختموا عليه وأرسلوه صحبة مصطفى واستهل شهر ربيع الثاني فيه حضر شيخ السادات الى بيته الذي عمره بجوار المشهد الحسيني وشرع في عمل المولد واعتنى بذلك ونادوا على الناس بفتح الحوانيت بالليل ووقود القناديل من باب زويلة الى بين القصرين وأحدثوا سيارات وأشاير ومواكب وأحمال قناديل ومشاعل وطبولًا وزمورًا واستمر ذلك خمسة عشر يومًا وليلة‏.‏

وفي يوم الجمعة حضر عابدي باشا باستدعاء الشيخ له فتغدى ببيت الشيخ وصلى الجمعة بالمسجد وخلع على الشيخ وعلى الخطيب ثم ركب الى قصر العيني‏.‏

وفي ذلك اليوم وصل ططري من الديار الرومية وعلى يده مرسومات فعملوا في صبحها ديوانًا بقصر العيني وقرئت المرسومات فكان مضمون أحدها تقرير العابدي باشا على ولاية مصر والثاني الأمر والحث على حرب الأمراء القبليين وإبعادهم من القطر المصري والثالث بطلب الإفرنجي المرهون الى الديار الرومية فلما قرئ ذلك عمل عابدي باشا شنكًا ومدافع من القصر والمراكب والقلعة وانكسف بال اسمعيل كتخدا بعد أن حضر إليه المبرش بالمنصب وأظهر البشر والعظمة وأنفذ المبشرين ليلًا الى الأعيان ولم يصبر الى طلوع النهار حتى أنه أرسل الى محمد أفندي البكري المبشر في خامس ساعة من الليل وأعطاه مائة دينار وحضر إليه الأمراء وفي يوم الجمعة ثاني عشره رجع مصطفى كتخدا من ناحية قبلي وبيده جوابات وأخبر أن ابراهيم بك الكبير ترفع الى قبلي وصحبته ابراهيم بك الوالي وسليمان بك الآغا وأيوب بك وملخص الجوابات أنهم طالبون من حد المنية‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشره عمل الباشا ديوانًا حضره المشايخ والأمراء فلم يحصل سوى سفر الإفرنجي‏.‏

وفي أواخره حضر سراج باشا ابراهيم بك وبيده جوابات يطلبون من حد منفلوط فأجيبوا الى ذلك وكتبت لهم جوابات بذلك وسافر السراج المذكور‏.‏

واستهل شهر جمادى الأولى في غرته قلدوا غيطاس بك إمارة الحج‏.‏

وفي ثالثه وصل ططريون من البر على طريق دمياط بمكاتبات مضمونها ولاية اسمعيل كتخدا حسن باشا على مصر وأخبروا أن حسن باشا دخل الى اسلامبول في ربيع الأول ونقض ما أبرمه وكيل عابدي باشا وألبس قابجي كتخدا اسمعيل المذكور بحكم نيابته عنه قفطان المنصب ثالث ربيع الثاني وتعي قابجي الولاية وخرج من اسلامبول بعد خروج الططربيومين وحضر الططر في مدة ثلاثة وعشرين يومًا فلما وصل الططر سر اسمعيل كتخدا سرورًا عظيمًا وأنفذ المبشرين الى وفيه ورد الخبر بانتقال الأمراء القبليين الى المنية وسافر رضوان بك الى المنوفية وقاسم بك الى الشرقية وعلي بك الحسني الى الغربية‏.‏

وفي عشرينه جمع اسمعيل بك الأمراء والوجاقلية وقال لهم أيا إخواننا إن حسن باشا أرسل يطلب مني باقي الحلوان فمن كان عنده بقية فليحضر بها ويدفعها فأحضروا حسن أفندي شقبون أفندي الديوان وحسبوا الذي طرف اسمعيل بك وجماعته فبلغ ثلثمائة وخمسين كيسًا وطلع على طرف حسن بك وأتباعه نحو أربعمائة كيس وعلى طرف علي بك الدفتردار مائة وستون كيسًا وكانوا أرسلوا الى علي بك فلم يأت فقال لهم حسن بك أي شيء هذا العجب والأغراض بلاد علي بك فارسكور وبارنبال وسرس الليانة حلوانهم قليل وزاد اللغط والكلام فقام من بينهم اسمعيل بك ونزل وركب الى جزيرة الذهب وكذلك حسن بك خرج الى قبة العزب وعلي بك ذهب الى قصر الجلفي بالشيخ قمر وأصبح علي بك وركب الى الباشا ثم رجع الى بيته ثم أن علي بك قال لابد من تحرير حسابي وما تعاطيته وما صرفته من أيام حسن باشا الى وقتنا وما صرفته على أمير الحج تلك السنة وادعى أمير الحج الذي هو محمد بك المبدول ببواقي ووقع على الجداوي فاجتمعوا ببيت رضوان كتخدا تابع المجنون وحضر حسن كتخدا علي بك وكيلًا عن مخدومه ومصطفى آغا الوكيل وكيلًا عن اسمعيل بك وحرروا الحساب فطلع